تسعة لا يُفارقهم الحزنُ ولا الكآبة: الحقود، والحسود، وجديد عهدٍ بغناه، وغنيٌ يخشى الفقر، وفقير مديون، وطالبُ رتبة يقصر عنها قدرهُ، وجليس أهل العلم وليس منهم، والمسجون، ومن يطلب بثأر
من اهتم بالدنيا ضيع نفسه، ومن اهتم بنفسه زهد في الدنيا، طالبُ الدُنيا لا يخلو من الحزن في حالين: حزن على ما فاته كيف لم ينلهُ، وحُزنٌ على ما نالهُ يخشى أن يسلبه جميع أحواله.
ولذلك يقول الله جل وعلا وتقدس: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ.
قال رسول الله من أصبح منكم آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافَى في جسده، عنده قوتَ يومِهِ فكأنما حِيزت له الدنيا بِحَذافِيرِها رواه الترمذي، .
عن ابن عباس وعمران بن الحصين عن النبي قال: اطلعتُ في الجنةِ فرأيت أكْثَرَ أهلِها الفُقَراء الحديث متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول اله يدخل الفُقَراءُ الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
قال أحمد بن عاصم: أنفع اليقين ما عظم في عينيك ما به أيقنت، وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي، وأطال منك الحزن على ما فات، وألزمك الفكر في بقية عُمرك وخاتمة أمرك.
وأنفع الصدق أن تقرَّ لله عز وجل بعيوب نفسك، وأنفعُ الحياء أن تستحي أن تسألهُ .
وأنفع الصبر ما قواك على خلاف هواك، وأفضل الجهاد مُجاهدتك نفسك .
وأوجبُ الأعداء منك مجاهدة أقربُهم منك دُنُوًّا وأخفاهُم عنك شخصًا وأعظمهم لك عداوةٌ وهو إبليس.
فما ترى في الأنس بالناس؟ قال: إن وجدت عاقلاً مأمونًا فأنس به .
فما أفضل ما أتقرب به إلى الله عز وجل؟ قال: ترك معاصيه الباطنة.
وسمعته يقول: استكثر من الله عز وجل لنفسك قليل الرزق تخلصًا إلى الشكر، و استقلل من نفسك لله عزّ وجلّ كثير الطاعة إزراءً على النفس وتعرضًا للعفو.
واستجلب شدة التيقظ بشدة الخوف، وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة، واقطع أسباب الطمع بصحة اليأس، وسد سبيل العُجب بمعرفة النفس.
واطلب راحة البدن بإجمام القلب، وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخُلطاء، وتعرض لرقة القلب بدوام مجالسة أهل الذكر،
كتب بعضهم إلى أخ يُوصيه:، فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله عز وجل، والمراقبة حيث لا يراك أحد إلا الله عز وجل، والاستعداد لما ليس لأحد فيه حيلة، ولا تنفع الندامة عند نُزوله.
فاحسر عن رأسك الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، وشمر للسباق غدًا فإن الدنيا ميدان المسابقين، ولا تغترَّ بمن أظهر النُّسك، وتشاغل بالوصف، وترك العمل بالموصوف.
واعلم يا أخي: أنه لابدّ لي ولك من المقام بين يدي الله عز وجل، ولست آمن أن يسألني وإياك عن وساوس الصدور، ولحظات العيون، وإصغاء الأسماع، وما عسى أن يَعْجز مثلي عن صفته.
واعلم: أنه مما وُصف به منافقوا هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدنيا بأبدانهم وطابقوهم عليها بأهوائهم، وخضعوا لما طمعوا من نائلهم، وداهن بعضهم بعضًا في القول والفعل، فأشر وبطر قولهم، ومرُّ خبيث فعلهم، تركوا باطن العمل بلا تصحيح فحرمهم الله تعالى بذلك الثمن
واعلم يا أخي: أنه لا يجزي من العمل القول، ولا من البذل العدةُ، ولا من التقوى .
وفقنا الله عزَّ وجل وإياكم لما يحب ويرضى، . وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبة وسلم.